اكل لحوم البشر

اكل لحوم البشر
كتاب مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج [الخطيب الشربيني] ج: 6 ص: ١٦٠
وَلَهُ أَكْلُ آدَمِيٍّ وَقَتْلُ مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ، لَا ذِمِّيٍّ وَمُسْتَأْمَنٍ وَصَبِيٍّ حَرْبِيٍّ.
قُلْت: الْأَصَحُّ حِلُّ قَتْلِ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ الْحَرْبِيَّيْنِ لِلْأَكْلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مغني المحتاج]
الْحَاصِلِ فِي ذَلِكَ بِسَبَبِ الْجُوعِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَتَوَقَّعْ حَلَالًا قَرِيبًا (فَفِي قَوْلٍ يَشْبَعُ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ وَلِأَنَّ لَهُ تَنَاوُلَ قَلِيلِهِ فَجَازَ لَهُ الشِّبَعُ كَالْمُذَكِّي، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالشِّبَعِ أَنْ يَمْلَأَ جَوْفَهُ حَتَّى لَا يَجِدَ لِلطَّعَامِ مَسَاغًا، فَإِنَّ هَذَا حَرَامٌ قَطْعًا، صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيْرُهُمَا، بَلْ الْمُرَادُ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَنْ يَأْكُلَ حَتَّى يَكْسِرَ سَوْرَةَ الْجُوعِ بِحَيْثُ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ جَائِعٍ (وَالْأَظْهَرُ) لَا يَشْبَعُ بَلْ يَجِبُ (سَدُّ الرَّمَقِ) فَقَطْ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ بَعْدَهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ، فَلَا يُبَاحُ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ (إلَّا أَنْ يَخَافَ تَلَفًا) أَوْ حُدُوثَ مَرَضٍ أَوْ زِيَادَتَهُ (إنْ اقْتَصَرَ) عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ فَتُبَاحُ لَهُ الزِّيَادَةُ، بَلْ تَلْزَمُهُ لِئَلَّا يُهْلِكَ نَفْسَهُ تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّدُ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَلَوْ رَجَا الْوُصُولَ إلَى الْحَلَالِ يَبْدَأُ وُجُوبًا بِلُقْمَةٍ حَلَالٍ ظَفِرَ بِهَا، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا ذُكِرَ حَتَّى يَأْكُلَهَا لِتَتَحَقَّقَ الضَّرُورَةُ،. وَإِذَا وَجَدَ الْحَلَالَ بَعْدَ تَنَاوُلِهِ الْمَيْتَةَ وَنَحْوَهَا لَزِمَهُ الْقَيْءُ - أَيْ إذَا لَمْ يَضُرَّهُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ نَصِّ الْأُمِّ، فَإِنَّهُ قَالَ وَإِنْ أُكْرِهَ رَجُلٌ حَتَّى شَرِبَ خَمْرًا أَوْ أَكَلَ مُحَرَّمًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَقَيَّأَ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَوْ عَمَّ الْحَرَامُ جَازَ اسْتِعْمَالُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الضَّرُورَةِ قَالَ الْإِمَامُ بَلْ عَلَى الْحَاجَةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هَذَا إنْ تَوَقَّعَ مَعْرِفَةَ الْمُسْتَحِقِّ، إذْ الْمَالُ عِنْدَ الْيَأْسِ مِنْهَا لِلْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ. (وَلَهُ) أَيْ الْمُضْطَرِّ (أَكْلُ آدَمِيٍّ مَيِّتٍ) إذَا لَمْ يَجِدْ مَيْتَةً غَيْرَهُ كَمَا قَيَّدَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَيِّ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ نَبِيًّا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيُّ وَأَقَرَّهُ وَمَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا وَالْمُضْطَرُّ كَافِرًا، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ لِشَرَفِ الْإِسْلَامِ، بَلْ لَنَا وَجْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُ الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ وَلَوْ كَانَ الْمُضْطَرُّ مُسْلِمًا. تَنْبِيهٌ حَيْثُ جَوَّزْنَا أَكْلَ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ الْمُحْتَرَمِ لَا يَجُوزُ طَبْخُهَا وَلَا شَيُّهَا لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهِ، وَيَتَخَيَّرُ فِي غَيْرِهِ بَيْنَ أَكْلِهِ نِيئًا وَمَطْبُوخًا وَمَشْوِيًّا. (وَ) لَهُ (قَتْلُ مُرْتَدٍّ) وَأَكْلُهُ (وَ) قَتْلُ (حَرْبِيٍّ) بَالِغٍ وَأَكْلُهُ؛ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مَعْصُومَيْنِ، وَلَهُ قَتْلُ الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَالْمُحَارِبِ وَتَارِكِ الصَّلَاةِ وَمَنْ لَهُ عَلَيْهِ قِصَاصٌ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْإِمَامُ فِي الْقَتْلِ، لِأَنَّ قَتْلَهُمْ مُسْتَحَقٌّ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ إذْنُهُ فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ وَتَأَدُّبًا مَعَهُ وَحَالُ الضَّرُورَةِ لَيْسَ فِيهَا رِعَايَةُ أَدَبٍ (لَا) قَتْلُ (ذِمِّيٍّ وَمُسْتَأْمَنٍ) وَمُعَاهَدٍ (وَصَبِيٍّ حَرْبِيٍّ) وَحَرْبِيَّةٍ لِحُرْمَةِ قَتْلِهِمْ (قُلْت الْأَصَحُّ حِلُّ قَتْلِ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ الْحَرْبِيَّيْنِ لِلْأَكْلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَعْصُومَيْنِ، وَمَنْعُ قَتْلِهِمَا فِي غَيْرِ الضَّرُورَةِ لَا لِحُرْمَتِهِمَا بَلْ لِحَقِّ الْغَانِمِينَ وَلِهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِقَتْلِهِمَا الْكَفَّارَةُ


ص: ١٦١ مسار الصفحة الحالية: فهرس الكتاب [كتاب الأطعمة] وَلَوْ وَجَدَ طَعَامَ غَائِبٍ أَكَلَ وَغَرِمَ، أَوْ حَاضِرٍ مُضْطَرٍّ لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ إنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ. فَإِنْ آثَرَ مُسْلِمًا جَازَ، أَوْ غَيْرَ مُضْطَرٍّ لَزِمَهُ إطْعَامُ ــ [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: حُكْمُ مَجَانِينِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَرِقَّائِهِمْ وَخَنَاثَاهُمْ كَصِبْيَانِهِمْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَوْ وَجَدَ الْمُضْطَرُّ صَبِيًّا مَعَ بَالِغٍ حَرْبِيَّيْنِ أَكَلَ الْبَالِغَ وَكَفَّ عَنْ الصَّبِيِّ لِمَا فِي أَكْلِهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَلِأَنَّ الْكُفْرَ الْحَقِيقِيَّ أَبْلَغُ مِنْ الْكُفْرِ الْحُكْمِيِّ، وَقَضِيَّتُهُ إيجَابُ ذَلِكَ فَلْتُسْتَثْنَ هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ جَوَازَ قَتْلِ الصَّبِيِّ الْحَرْبِيِّ لِلْأَكْلِ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا شُبِّهَ بِالصَّبِيِّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَمَحِلُّ الْإِبَاحَةِ إذَا لَمْ نَسْتَوْلِ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ أَيْ وَنَحْوِهِمَا وَإِلَّا صَارُوا أَرِقَّاءَ مَعْصُومِينَ، لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ قَطْعًا لِحَقِّ الْغَانِمِينَ. (وَلَوْ وَجَدَ) مُضْطَرٌّ (طَعَامَ غَائِبٍ) وَلَوْ غَيْرَ مُحْرَزٍ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ (أَكَلَ) مِنْهُ إبْقَاءً لِمُهْجَتِهِ (وَغَرِمَ) بَدَلَ مَا أَكَلَهُ مِنْ قِيمَةٍ فِي الْمُتَقَوِّمِ وَمِثْلٍ فِي الْمِثْلِيِّ لِحَقِّ الْغَائِبِ، سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى الْبَدَلِ أَمْ كَانَ عَاجِزًا عَنْهُ؛ لِأَنَّ الذِّمَمَ تَقُومُ مَقَامَ الْأَعْيَانِ نَعَمْ تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمِثْلِيِّ بِالْمَفَازَةِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْمَاءِ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُمْتَنِعِ، وَمَالُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ إذَا كَانَ وَلِيُّهُمَا غَائِبًا حُكْمُهُ حُكْمُ مَالِ الْغَائِبِ، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فَهُوَ فِي مَالِهِمَا كَالْكَامِلِ تَنْبِيهٌ: فِي وُجُوبِ الْأَكْلِ وَالْقَدْرِ الْمَأْكُولِ الْخِلَافُ السَّابِقُ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مَا إذَا كَانَ الْغَائِبُ مُضْطَرًّا يَحْضُرُ عَنْ قُرْبٍ فَلَيْسَ لَهُ أَكْلُهُ (أَوْ) طَعَامَ (حَاضِرٍ مُضْطَرٍّ) إلَيْهِ (لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ) - بِمُعْجَمَةٍ - لِغَيْرِهِ (إنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ) بَلْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ لِحَدِيثِ «ابْدَأْ بِنَفْسِك» وَإِبْقَاءً لِمُهْجَتِهِ. نَعَمْ إنْ كَانَ غَيْرُ الْمَالِكِ نَبِيًّا وَجَبَ عَلَى الْمَالِكِ بَذْلُهُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ وَيُتَصَوَّرُ هَذَا فِي زَمَنِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْ الْخِضْرِ عَلَى الْقَوْلِ بِحَيَاتِهِ وَنُبُوَّتِهِ، وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ مُضْطَرٍّ مَيْتَةٌ كَانَ أَحَقَّ بِهَا مِنْ مُضْطَرٍّ آخَرَ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ خِلَافًا لِمَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي مِنْ أَنَّ الْيَدَ لَا تَثْبُتُ عَلَيْهَا فَلَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهَا تَنْبِيهٌ هَلْ الْمُرَادُ بِمَا يَفْضُلُ عَنْهُ عَنْ سَدِّ الرَّمَقِ أَوْ الشِّبَعِ؟ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْأَوَّلُ حِفْظًا لِلْمُهْجَتَيْنِ. وَلَوْ وَجَدَ مُضْطَرَّيْنِ وَمَعَهُ مَا يَكْفِي أَحَدَهُمَا وَتَسَاوَيَا فِي الضَّرُورَةِ وَالْقَرَابَةِ وَالصَّلَاحِ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ اُحْتُمِلَ أَنْ يَتَخَيَّرَ بَيْنَهُمَا، وَاحْتُمِلَ أَنْ يُقَسِّمَهُ عَلَيْهِمَا اهـ. وَالثَّانِي أَوْجَهُ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى كَوَالِدٍ وَقَرِيبٍ أَوْ وَلِيًّا لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ إمَامًا مُقْسِطًا، قُدِّمَ الْفَاضِلُ عَلَى الْمَفْضُولِ، وَلَوْ تُسَاوَيَا وَمَعَهُ رَغِيفٌ مَثَلًا لَوْ أَطْعَمَهُ لِأَحَدِهِمَا عَاشَ يَوْمًا، وَإِنْ قَسَّمَهُ بَيْنَهُمَا عَاشَا نِصْفَ يَوْمٍ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ الْمُخْتَارُ قِسْمَتُهُ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ (فَإِنْ آثَرَ) بِالْمَدِّ عَلَى نَفْسِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُضْطَرًّا (مُسْلِمًا) مَعْصُومًا (جَازَ) بَلْ يُسَنُّ وَإِنْ كَانَ أَوْلَى بِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: ٩] وَهُوَ مِنْ شِيَمِ الصَّالِحِينَ، وَخَرَجَ بِالْمُسْلِمِ الْكَافِرُ وَالْبَهِيمَةُ، وَبِالْمَعْصُومِ مُرَاقُ الدَّمِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ نَفْسَهُ عَلَى هَؤُلَاءِ (أَوْ) وَجَدَ طَعَامَ حَاضِرٍ (غَيْرَ مُضْطَرٍّ) لَهُ (لَزِمَهُ) أَيْ غَيْرَ الْمُضْطَرِّ (إطْعَامُ


ص: ١٦٢ مسار الصفحة الحالية: فهرس الكتاب [كتاب الأطعمة] مُضْطَرٍّ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، فَإِنْ امْتَنَعَ فَلَهُ قَهْرُهُ، وَإِنْ قَتَلَهُ. وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ بِعِوَضٍ نَاجِزٍ إنْ حَضَرَ، وَإِلَّا فَبِنَسِيئَةٍ، ــ [مغني المحتاج] مُضْطَرٍّ) مَعْصُومٍ (مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ) أَوْ نَحْوِهِ كَمُعَاهَدٍ، وَلَوْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي ثَانِي الْحَالِ عَلَى الْأَصَحِّ لِلضَّرُورَةِ النَّاجِزَةِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَعْصُومِ كَالْحَرْبِيِّ تَنْبِيهٌ يَجِبُ إطْعَامُ الْبَهِيمَةِ الْمُحْتَرَمَةِ وَإِنْ كَانَتْ مِلْكًا لِغَيْرِ صَاحِبِ الطَّعَامِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ كَالْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَلَوْ كَانَ لِلْإِنْسَانِ كَلْبٌ مُبَاحُ الْمَنْفَعَةِ جَائِعٌ وَشَاةٌ لَزِمَهُ ذَبْحُ الشَّاةِ لِإِطْعَامِ الْكَلْبِ، وَيَحِلُّ أَكْلُهَا لِلْآدَمِيِّ لِأَنَّهَا ذُبِحَتْ لِلْأَكْلِ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُضْطَرِّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ مَالِكَ الطَّعَامِ أَوْ وَلِيَّهُ فِي أَخْذِهِ (فَإِنْ امْتَنَعَ) هُوَ أَوْ وَلِيُّهُ غَيْرَ مُضْطَرٍّ فِي الْحَالِ مِنْ بَذْلِهِ بِعِوَضٍ لِمُضْطَرٍّ مُحْتَرَمٍ (فَلَهُ) أَيْ الْمُضْطَرِّ (قَهْرُهُ) عَلَى أَخْذِهِ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ الْمَانِعُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ (وَإِنْ قَتَلَهُ) وَلَا يَجِبُ قِتَالُهُ كَالصَّائِلِ بَلْ أَوْلَى أَيْ إذَا كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ مُسْلِمًا كَمَا هُوَ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَلِأَنَّ عَقْلَ الْمَالِكِ أَوْ وَلِيَّهُ وَدِينَهُ يَبْعَثَانِهِ عَلَى الْإِطْعَامِ، وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَجَازَ أَنْ يُجْعَلَ الْأَمْرُ مَوْكُولًا إلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ قِتَالُهُ عَلَى مَا يَدْفَعُ ضَرَرَهُ بِهِ، وَهُوَ مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ، إلَّا أَنْ يَخْشَى الْهَلَاكَ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ لِلْمُمْتَنِعِ إنْ قَتَلَهُ، وَلَا تُؤْخَذُ لَهُ دِيَةٌ، وَيُقْتَصُّ لَهُ إنْ قَتَلَهُ الْمُمْتَنِعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ، بِخِلَافِ الْمُمْتَنِعِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَخْذِهِ مِنْهُ وَمَاتَ جُوعًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُمْتَنِعِ، إذْ لَمْ يَحْدُثْ مِنْهُ فِعْلٌ مُهْلِكٌ، لَكِنْ يَأْثَمُ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ جَوَازُ قَهْرِ الذِّمِّيِّ لِلْمُسْلِمِ وَإِنْ قَتَلَهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا، وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ إلَّا إنْ كَانَ مُسْلِمًا وَالْمُضْطَرُّ غَيْرَ مُسْلِمٍ أَيْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ قَهْرُهُ وَلَا قَتْلُهُ، فَإِنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُسَلَّطُ عَلَى مَيْتَةِ الْمُسْلِمِ، فَالْحَيُّ أَوْلَى، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: ١٤١] وَلَا يَخْتَصُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِإِطْعَامٍ، بَلْ لَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ لَزِمَهُ أَخْذُ الثَّوْبِ مِنْ مَالِكِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا مِثْلَهُ كَمَا فِي التَّهْذِيبِ. (وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ) أَيْ الْمَالِكَ أَوْ وَلِيَّهُ إطْعَامُ الْمُضْطَرِّ (بِعِوَضٍ نَاجِزٍ إنْ حَضَرَ) ذَلِكَ الْعِوَضُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَحْضُرْ الْعِوَضُ (فَبِنَسِيئَةٍ) وَلَا يَلْزَمُهُ الْبَذْلُ مَجَّانًا وَلَا بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ لَهُ نَسِيئَةً عِنْدَ عَدَمِ حُضُورِ مَالِهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِثَمَنٍ حَالٍّ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ بِهِ فِي حَالِ إعْسَارِهِ، وَفَائِدَةُ الْحُلُولِ جَوَازُ الْمُطَالَبَةِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَحْتَالَ فِي أَخْذِهِ مِنْهُ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ لِئَلَّا يَلْزَمَهُ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ اُبْذُلْهُ بِعِوَضٍ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ وَلَوْ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَتَغَابَنُ بِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ غُبِنَ فِي شِرَائِهِ، أَوْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ أَخْذِهِ مِنْهُ وَقَهْرِهِ لَهُ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي الِالْتِزَامِ فَكَانَ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِثَمَنِ مِثْلٍ، فَإِنْ بَذَلَهُ لَهُ هِبَةً لَزِمَهُ قَبُولُهُ، أَوْ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فِي مَكَانِهِ وَزَمَانِهِ، أَوْ بِزِيَادَةٍ يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهَا وَمَعَهُ ثَمَنُهُ، أَوْ رَضِيَ بِذِمَّتِهِ لَزِمَهُ شِرَاؤُهُ حَتَّى


كتاب النجم الوهاج في شرح المنهاج [الدميري] ج: 9 ص: ٥٧٠
كتاب الأطعمة
وَقَتْلُ مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ، لاَ ذِمِّيٍّ وَمُسْتَامَنٍ وَصَبِيٍّ حَرْبِيٍّ لا يحل لقوله صلى الله عليه وسلم: (كسر عظام الميت ككسره حيًا) رواه أبوداوود [٣١٩٩] وابن ماجه [١٦١٦] من حديث عائشة وصححه ابن حبان [٣١٦٧].
وأجاب الأول بأنه محمول على غير حالة الضرورة. ويستثنى ما إذا كان الميت مسلمًا والمضطر ذميًا ..
فالأصح: المنع؛ لكمال شرف الإسلام، ومن باب أولى إذا كان الميت نبيًا؛ فإن إبراهيم المروروذي قال: لا يجوز. وأفهم كلام المصنف: أنه ليس له قتل الحي ثم أكله؛ لأنه معصوم، لكن إطلاقه الأكل يقتضي مجيء التفصيل السابق.
وقال الماوردي: إنما يأكل منه سد الرمق قطعًا حفظًا للحرمتين، ولا يجوز طبخه ولا شيه إن أمكن أكله نيئًا، بخلاف سائر الميتات. وإن وجد ميتة آدمي وميتة غيره .. أكل الميتة ولو كانت خنزيرًا كما جزم به في (الروضة) تبعًا لـ (الشرح)، وحكى القاضي حسين وجهين في حل ميتة الآدمي في هذه الحالة. وإن وجد المحرم صيدًا ولحم آدمي .. أكل الصيد.
قال: (وقتل مرتد وحربي)؛ لأنهما ليسا معصومين؛ وإنما يعتبر إذن الإمام في غير محل الضرورة أدبًا، وكذلك الزاني المحصن والمحارب وتارك الصلاة على الأصح فيهن.
وله قتل من عليه قصاص وأكله وإن لم يحضره السلطان. قال: (لا ذمي ومستأمن وصبي حربي)؛ لحرمة قتلهم، ولهذا لا يجوز للوالد قتل ولده للأكل ولا للسيد قتل عبده؛ لأنه تلزمه الكفارة بقتله. قال ابن الرفعة: هذا في العبد المسلم، أما الذمي .. فيشبه أن يكون كالحربي.


٥٧١
كتاب الأطعمة
قُلْتُ: الأَصَحُّ: حِلُّ قَتْلِ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ الْحَرْبِيَّيْنِ لِلأَكْلِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ وَجَدَ طَعَامَ غَائِبٍ .. أَكَلَ وَغَرِمَ، أَوْ حَاضِرٍ مُضْطَرٍّ .. لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ إِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ، ــ قال: (قلت: الأصح: حل قتل الصبي والمرأة الحربيين للأكل والله أعلم)؛ لأنهما ليسا بمعصومين، ولأن منع قتلهم لم يكن لحرمة أزواجهم، بل لصيانة ناموس الولاية وحفظ توقع المالية، ولهذا: لا كفارة بقتلهم. قال: (ولو وجد طعام غائب) أي: ولم يجد غيره (.. أكل وغرم)؛ لأنه قادر على أكل الطاهر بعوض مثله، وسواء قدر على البدل أو كان عاجزًا عنه؛ لأن الذمم تقوم مقام الأعيان، وقيل: لا غرم. وأغرب الزنجاني في (الترغيب) فقال: وإن لم يكن حاضرًا .. ينادي ثلاثًا وله أكله؛ لما روى أبو داوود [٢٦١٢] عن الحسن عن سمرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتى أحدكم على ماشية، فإن كان فيها صاحبها .. فليستأذنه، فإن أذن له .. فليحلب وليشرب، وإن لم يكن فيها .. فليصوت ثلاثًا، فإن أجاب .. فليستأذنه، فإن أذن له، وإلا .. فليحلب وليشرب ولا يحمل). ولو كان الطعام لصبي أو مجنون ووليه غائب .. فكذلك، وإن كان حاضرًا .. فهو في مالهما كالكامل في ماله، وهذه من الصور التي يجوز فيها بيع ماله نسيئة، ومن المعسر بلا رهن للضرورة، وفي القدر المأكول وفي وجوب الأكل ما سبق من الخلاف. قال: (أو حاضر مضطر .. لم يلزمه بذله إن لم يفضل عنه)؛ إبقاء لمهجته، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (ابدأ بنفسك)، اللهم إلا أن يكون غير المالك نبيًا .. فإنه يجب على المالك بذله له.

الوثائق